الحروف المقطعة في القرءان الكريم / مجالس تفسير ابن كثير

من مجالس تفسير ابن كثير مع مجموعة من طلبة العلم .
تحتوي المقالة على بعض الفوائد من تعليقات الشيخ خالد السبت على مختصر ابن كثير .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فيما يخص الحروف المقطعة:
وردت أقوال كثيرة في تفسيرها. بعض العلماء ذكر ستة وعشرين قولًا، وبعضهم أقل، وبعضهم أوصلها إلى ثلاثين، لكن عند جمعها واستقرائها يمكن إرجاعها إلى ثلاثة أقوال رئيسية:
- أنها رموز أو اختصارات:
يقال: إنها رموز لأسماء أو أوصاف، أو اختصارات لجُمل أو كلمات، وهذا يدخل تحته نحو ثمانية أقوال، مع اختلافهم في تفسيرها. - أنها أسماء:
قيل: إنها أسماء، إما للنبي ﷺ أو للقرآن أو غير ذلك، وهذا يتضمن نحو أربعة أقوال. - أنها حروف هجاء (معجم):
أي أنها مجرد حروف لا معنى لها في ذاتها، بل هي مما يُركب منه الكلام. هذا القول يرجع إليه نحو أربعة عشر قولًا. ومعنى ذلك أن هذه الحروف ليست كلمات ذات دلالة مستقلة، وإنما يُركب منها الكلام كما يُركب من سائر الحروف.
ومن أشهر الأقوال في تفسير هذه الحروف: أنها إشارات إلى التحدي والإعجاز، أي أن القرآن مكون من هذه الحروف التي يعرفها العرب ويُركبون منها كلامهم، فليأتوا بمثله إن استطاعوا.
قول ابن العربي:
قال: إن الحروف الواردة في أوائل السور تمثل نصف الحروف الهجائية، فكأن التحدي موجه إليهم أن يأتوا بقرآن من النصف الآخر. لكنه قول فيه شيء من التكلف.
ملحوظة ذكرها الشوكاني:
نبه إلى أمرين مهمين:
- أن القول بأن لها معاني في ذاتها غير معهود في كلام الناس، وإن استشهد بعضهم بقول الشاعر: “قلت لها قفي، قالت: قاف”، فهذا استعمال نادر وغير متداول.
- أن من قال بأنها رموز تحتاج إلى تفسير وفك، فالسؤال: هل لديهم دليل على هذه المعاني؟ فلا يوجد شيء مروي عن النبي ﷺ في تفسير هذه الرموز، بل اختلفوا في تفسيرها، فدل ذلك على أنها مما استأثر الله تعالى بعلمه.
أقوال إضافية:
- قيل: هي أسماء للسور.
- وقيل: هي فواتح افتتح الله بها القرآن.
القول بأنها مما استأثر الله بعلمه قال به جماعة من أهل العلم. وبناء على هذا، يكون في القرآن ما يعرف بالمتشابه المطلق من جهة المعنى، أي ما لا يعرف أحد معناه إلا الله، مثل قوله تعالى:
﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: 7]
والأقرب أن الوقف في الآية يكون على ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾، كما ثبت عن ابن عباس وغيره، والمقصود حينها هو حقائق الأمور الغيبية وكنهها، وهي مما لا يطلع عليه إلا الله، وليس المقصود التفسير، لأن القرآن بلسان عربي مبين، وليس فيه ألغاز، فهو تبيان لكل شيء.
أما القراءة بالوصل:
﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾
فالمقصود بالتأويل هنا هو التفسير، وهو أيضًا ثابت عن ابن عباس، إذ قال: “أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله”، فالتفسير ممكن معرفته. لكن من قال إن هذه الحروف لا يعلم معناها إلا الله، جعلها من المتشابه المطلق. أما من أثبت لها معنى، فهي متشابهة نسبيًا لمن لا يعرف معناها.
قول مجاهد:
ذكر خصيف عن مجاهد أن فواتح السور كلها مثل: ق، ص، حم، طسم، الر… وغيرها، هي هجاء موضوع، أي حروف تهجئة.
والحروف نوعان:
- حروف معانٍ: مثل “إلى”، “في”، “عن”… وهي التي تُستخدم للدلالة على معنى معين.
- حروف مبانٍ: وهي حروف التهجي، كالألف والباء والتاء… إلخ، وهذه لا معنى لها في ذاتها، بل تُركب لتكوين الكلمات.
فمن قال: إن هذه الحروف من حروف التهجي، فهو يقصد أنها ليست ذات معنى في ذاتها، بل مجرد وحدات تُبنى منها الكلمات.
نقل عن بعض أهل العربية:
أن هذه الحروف هي حروف من حروف المعجم، واستُغني بذكر بعضها عن باقيها، كما يقال: “ابني يكتب في الألف والباء”، أي في الحروف كلها، مع أن المذكور ليس إلا بعضًا منها، حكاه ابن جرير.
عدد الحروف المقطعة:
عند حذف المكرر، يبلغ عددها أربعة عشر حرفًا، وهي:
أ ل م ص ر ك هـ ي ع ط س ح ق ن
وقد نظمها بعضهم بقوله:
“نص حكيم قاطع له سر”
ومن جمل أخرى تجمعها:
“ألم يسطع نور حق كره”
“طرق سمعك النصيحة”
وهذه الحروف هي نصف الحروف الهجائية، والمذكور منها أشرف من المتروك، أي أن صفات هذه الحروف من حيث الصوت والبيان والوضوح أشرف من غيرها.
الزمخشري يقول:
هذه الحروف الأربعة عشر تشتمل على أصناف الحروف من:
- المهموسة والمجهورة
- الرخوة والشديدة
- المطبقة والمفتوحة
- المستعلية والمنخفضة
- حروف القلقلة
وبالنسبة لحروف القلقلة، فهي خمسة، والمذكور منها في أوائل السور أقل من النصف.
كذلك من الحروف الصفيرية (السين، الصاد، الزاي) ذُكر منها السين والصاد فقط. أما الحروف اللينة، فثلاثة، والمذكور منها اثنان: الألف والياء.
وقول الزمخشري:
“فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته”، والمقصود أن هذه الأصناف المتعددة من الحروف ممثلة في الأربعة عشر المذكورة، وهذا هو معنى “مكثورة بالمذكورة منها”، أي أن الحروف المتروكة أقل استعمالًا في القرآن من تلك المذكورة في أوائل السور.