بصمةتعديلات المدونة

رؤية شرعية حول تعديلات مدونة الأسرة الجديدة الجزء الأول / محمد أمرير الاسوري

الحمد لله الذي أرسى العدل والإنصاف في شرائعه، وأحكم أحكامه بما يضمن الخير والصلاح للعباد، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ المبعوث رحمةً للعالمين، المبلغ عن ربه أكمل الشرائع، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

إن شريعة الإسلام هي العدل المطلق الذي ينبع من حكمة الله تعالى وعدله الكامل، فهي شريعةٌ لا تحابي أحدًا، ولا تنحاز إلا للحق، لأنها جاءت من رب العباد العالم بما يصلحهم وما يفسدهم. ومن أبرز مظاهر هذا العدل الإلهي تقسيم التركات والميراث وفق فروض مقدرة نص عليها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، بما يحقق العدل بين الورثة، ويراعي الحقوق والواجبات على أكمل وجه.

ان بعض التعديلات الحديثة التي أُدخلت على مدونة الأسرة المغربية جاءت مخالفةً لأحكام الشريعة الإسلامية، وتعدٍّ واضحٍ على النصوص القطعية التي وردت في الكتاب والسنة، مما يتطلب الوقوف عندها بيانًا للحق، ودفاعًا عن الثوابت الشرعية التي هي جزء من هوية أمتنا الاسلامية عموما و المغربية المسلمة خصوصا، وسيرًا على نهج إمارة المؤمنين التي جعلت من حماية الدين أساسًا للحكم، ورفعت شعار: “لا أُحِلُّ ما حَرَّم الله، ولا أُحَرِّمُ ما أَحَلَّ الله”.

التعديل الذي سنقف معه في هذا المقال ان شاء الله هو المنصوص عليه بقولهم :

إيقاف بيت الزوجية عن دخوله في التركة

من أبرز التعديلات المخالفة للشريعة الإسلامية ما ورد في مدونة الأسرة حول استثناء بيت الزوجية من التركة، بحيث يصبح البيت ملكًا للزوجة بعد وفاة الزوج، دون أن يكون لبقية الورثة حق فيه.

هذا التعديل يتناقض بشكل صريح مع أحكام الميراث التي نص عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، ويؤدي إلى حرمان ورثة آخرين من حقوقهم الشرعية. وفيما يلي بعض النصوص القطعية من حيث الثبوت و الدلالة التي عارضها هذا التعديل :

1 قوله تعالى :

وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:12].

فنصيب الزوجة من الميراث محددٌ بنص القرآن الكريم: الربع إذا لم يكن للميت فرع وارث، والثمن إذا كان له فرع وارث. أما استثناء بيت الزوجية من التركة لصالح الزوجة، فهو زيادة على ما قدره الله لها، وهو أمرٌ يخالف نص الآية الكريمة مخالفة صريحة.

2 قوله تعالى:

وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾. النساء (11).
فالأم بنص القرءان ، أحيانا ترث السدس، وأحيانا ترث الثلث، وأحيانا ترث ثلث الباقي،
إذا كانت التركة محصورةً في بيت الزوجية، فإن الأم – وهي امرأة أيضًا – تُحرم من حقها الشرعي في الإرث بسبب هذا التعديل، فضلًا عن الأب أو الأبناء أو الإخوة، مما يُخل بمبدأ العدالة الذي جاءت به الشريعة.

3 قوله تعالى :

وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَـٰلَةً أَو ٱمْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ فَإِن كَانُوۤاْ أَكْثَرَ مِن ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ النساء . 12

و قوله تعالى :

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ النساء (176)

نقتصر فقط في هذه الايات على بيان ميراث الأخت بما أن هذه التعديلات جاءت للحفاظ على مصلحة المرأة ، فقد دلت الايات على ان الاخت ترث على التفصيل الاتي :

فالأخت إما أن تكون أختا شقيقة، أو أختا من الأب، أو أختا من الأم .
فالأخت الشقيقة ترث أخاها بشرطين: أولهما: عدم وجود فرع وارث ذكر ( ابن أو ابن ابن وإن نزل ) , وثانيهما: عدم وجود الأب. فإذا لم يوجد هذان فإنها ترث أخاها, ويختلف مقدار إرثها باختلاف حالها، فإن كان معها إخوة أشقاء، فإنها ترث معهم للذكر مثل حظ الأنثيين .
والأخت من الأب ترث بثلاثة شروط: الشرطان المذكوران آنفا، وشرط آخر وهو عدم وجود أخ شقيق أو أختان شقيقتان، إلا إن وجد أخ لأب يعصبها في هذه الحال.
والأخت من الأم ترث بشرطين: أولهما: عدم وجود فرع وارث مطلقا – سواء كان ذكرا أو أنثى – وثانيهما: عدم وجود أصل ذكر وارث, أب أو جد وإن علا, فإذا وجد واحد من هذين لم ترث, وإذا لم يوجد منهم أحد ورثت. و لابد دائما أن نستحضر أنه في كثير من الحالات قد لا تكون التركة الا ذالك المنزل ، و ليس للأخت مكان يأويها الا ذالك المنزل ،

4 حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ   ، وفي رواية:  اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللهِ، فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ  . البخاري (6732)، ومسلم (1615).

الأمر في هذا الحديث للوجوب ، قال ابن القطان الفاسي المالكي رحمه الله تعالى:

” وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ )، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل المال للعصبة.

وأجمع أهل العلم على القول به ” انتهى من “الإقناع في مسائل الإجماع” (2 / 102).

فهذا الحديث يبين وجوب تقسيم التركة على أصحاب الفروض كما نصت الشريعة، ثم إعطاء الباقي للعصبة. و اخراج شيء من التركة يعد مخالفة صريحة لهذا الحديث .

فمن خلال ما سبق يتضح أن التعديل الذي يدعي حماية حقوق المرأة، انما هو في الحقيقة يظلم نساءً أخريات مثل الأم والأخت، ويُفضل الزوجة عليهن بغير وجه حق. فأين العدالة حين تُحرم الأم من بيت ابنها المتوفى، وهي قد لا تجد غيره مأوى لها و الله المستعان .

فلا شك بأن أمثال هذه المخالفات للشريعة تؤدي إلى شيوع الظلم والفرقة بين الورثة، مما يضعف أواصر المحبة والثقة داخل الأسرة الواحدة.

إن حماية الأسرة المغربية المسلمة تتطلب الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية كما أنزلها الله تعالى، وتجنب التعديلات التي تتعارض مع نصوص القرآن والسنة.

نسأل الله أن يوفق ولاة أمورنا لما فيه خير البلاد والعباد، وأن يحفظ ديننا وأمتنا من كل تحريفٍ أو تبديل.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

زر الذهاب إلى الأعلى