الصيامفقه

شرط القدرة لوجوب الصيام

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

القدرة شرط من شروط وجوب الصيام ، و يدل على ذالك أدلة كثيرة من الكتاب و السنة و الاجماع .

أوَّلًا: من الكتاب
1- قولُه تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286] قال الجصاص: (فيه نصٌّ على أنَّ اللَّه تعالى لا يُكَلِّفُ أحدًا ما لا يَقدِرُ عليه ولا يطيقه… ومما يتعلَّقُ بذلك من الأحكامِ: سُقوطُ الفَرضِ عن المُكَلَّفينَ فيما لا تتَّسِعُ له قواهم؛ لأنَّ الوُسعَ هو دون الطَّاقةِ… نحو الشَّيخ الكبير الذي يشقُّ عليه الصَّومُ ويؤدِّيه إلى ضررٍ يلحَقُه في جسمه، وإن لم يُخشَ الموتُ بفِعلِه، فليس عليه صَومُه؛ لأنَّ اللَّه لم يكلِّفْه إلَّا ما يتَّسِعُ لفعلِه، ولا يبلغُ به حال الموت، وكذلك المريضُ الذي يخشى ضَرَرَ الصَّومِ..) ((أحكام القرآن)) (2/277).
2- قولُه تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ 

ثانيًا: من الإجماع

قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا على أنَّ صيامَ نهارِ رَمَضان: على الصَّحيحِ..) ((مراتب الإجماع)) (ص39).

قال ابنُ تيمية: (واتَّفقوا على أنَّ العباداتِ لا تجِبُ إلَّا على مُستطيعٍ) ((مجموع الفتاوى)) (8/479).

و يدخ تحت هذا الشرط عدة مسائل :

المسألة الأولى : المريض

يُباح للمريض الإفطار في رمضان في الجملة .

الأدِلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قولُه تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ 

ثانيًا: من الإجماعِ

قال ابنُ قدامة: (أجمعَ أهلُ العِلمِ على إباحةِ الفِطرِ للمَريضِ في الجملةِ). ((المغني)) (3/ 155).

قال ابنُ تيميَّة: (فالمريضُ له أن يُؤخِّرَ الصَّومَ باتِّفاقِ المُسلمين). ((الفتاوى الكبرى)) (2/12).

قال ابنُ حزم: (وَاتَّفَقُوا على أنَّ مَن آذاه المَرَض وضَعفَ عَن الصَّوم، فله أن يُفطِرَ) ((مراتب الإجماع)) (ص40).

المريض له ثلاث حالات ، المريض الذي لا يأثر له في الحكم كوجع رأس خفيف أوجع يد مثلا ، فهذا لا يجوز له الفطر ،  قال ابن قدامة
 ـ رحمه الله: المرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه
. .

الثاني : الذي يشق عليه الصوم بسبب المرض فهذا الأفضل له الفطر ،

1 . روى أحمد (5832) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ ) ، وصححه الألباني في إرواء الغليل ( 564 )

2- روى البخاري (6786) ومسلم (2327) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : مَا خُيِّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرهمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا , فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاس مِنْهُ .

قال النووي رحمه الله :

فِيهِ : اِسْتِحْبَاب الأَخْذ بِالأَيْسَرِ وَالأَرْفَق مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا اهـ .

الثالث : الذي يخشى عليه من الهلاك بسبب الصيام لشدة مرضه ، فهذا يجب عليه الفطر و يحرم عليه الصيام ، لعموم الأدلة التي تدل على تحريم الالقاء بالنفس الى التهلكة . وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ.

فرع

إذا أفطر المريض الذي يُرجى شفاؤه خلال رمضان، ثم تعافى، وجب عليه قضاء الأيام التي أفطرها.

أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ 
ففي قَولِه سبحانه: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ دليلٌ على وُجوبِ القَضَاءِ عليه إذا شُفِيَ.


ثانيًا: مِنَ الإجماعِ

قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا أنَّ مَن أفطر في سفرٍ أَو مرضٍ؛ فعليه قضاءُ أيَّامِ عدَدِ ما أفطَرَ، ما لم يأْتِ عليه رمضانُ آخَرُ). ((مراتب الإجماع)) (ص40)، ولم يتعقَّبْهُ ابنُ تيميَّةَ في ((نقد مراتب الإجماع)).

قال ابنُ رشد: (وأمَّا حُكمُ المُسافِرِ إذا أفطر، فهو القضاءُ باتِّفاق، وكذلك المريضُ؛ لقوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). ((بداية المجتهد)) (1/298).

قال ابنُ قدامة: (ويلزم المسافرَ والحائضَ والمريضَ القضاءُ، إذا أفطَرُوا، بغير خِلاف). ((المغني)) (3/146).

أما المريض الذي لا يرجى برؤه فلاطعام عن كل يوم مسكينا ، إذا كان المريض مصابًا بمرض مزمن لا يُرجى شفاؤه، فإنه يُلزم بإطعام مسكين عن كل يوم أفطره. وقد قيس حاله على الشيخ الكبير والمرأة العجوز، استنادًا إلى قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: 184]، لأنه في حكمهما من حيث العجز عن الصيام.



شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى