الصيامفقه

فضل الصيام

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

مكانة الصيام وأهميته

الصيام من أعظم القربات وأجلِّ الطاعات، وهو سرٌّ بين العبد وربه، لا يطَّلع عليه أحد إلا الله، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الصيام وبيَّن عظيم أجره وفضله، إذ يكفِّر الذنوب ويرفع الدرجات. جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: “كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة…” (متفق عليه).

خصوصية الصيام عند الله

يتميز الصيام بخصوصية عظيمة، حيث استثناه الله من بين سائر العبادات بقوله: “إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به”. فمع أن جميع الطاعات يُثيب الله عليها، إلا أن الصيام له مكانة خاصة وثواب مضاعف. في رواية أخرى عند مسلم: “كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به”، وهذا يدل على عظمة هذه العبادة.

الصيام والصبر

الصيام مرتبط بالصبر، وقد أطلق النبي صلى الله عليه وسلم على شهر رمضان “شهر الصبر”، حيث قال: “صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر”. رواه البزار ، ورجاله رجال الصحيح .
فالصيام يتضمن الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصيته، والصبر على أقداره المؤلمة، مما يجعله وسيلة لتهذيب النفوس، وتقوية الإيمان، وتحقيق التقوى، كما قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 183).

الصيام جُنَّة وحماية من الذنوب والنار

الصيام جُنَّة، أي وقاية وستر للصائم من الذنوب والنار، كما في الحديث: “الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم” (متفق عليه). وهذا يبيّن أهمية تهذيب الأخلاق أثناء الصيام، حيث يُدرّب الإنسان على ضبط النفس والابتعاد عن النزاعات.

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا” (متفق عليه). فالصيام سبب للمغفرة والنجاة من النار، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء” (متفق عليه).

فرحة الصائم وجزاءه

للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه” (متفق عليه). ففرحة الإفطار هي فرحة إتمام العبادة، وفرحة لقاء الله تكون بمكافأة الصائم بجزاء عظيم لا يعلمه إلا الله.

ومن عظيم فضل الصيام أن الله خصَّ الصائمين بباب في الجنة يُسمَّى “الريان”، لا يدخله إلا الصائمون، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “إن في الجنة بابًا يقال له الريَّان، لا يدخل منه إلا الصائمون، فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد” (متفق عليه).

الصيام في رمضان وفضائله

يتميز شهر رمضان بفضائل عظيمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب جهنم، وصُفِّدت الشياطين” (متفق عليه). وهذه الفضائل الثلاث تدل على مكانة هذا الشهر، حيث تُفتح أبواب الجنة لكثرة الطاعات، وتُغلق أبواب النار لقلة المعاصي، وتُصفَّد الشياطين فلا تخلص إلى ما كانت تفعله في غير رمضان.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه). والمقصود بالإيمان: التصديق بأمر الله وفضله، والاحتساب: طلب الأجر والثواب من الله. وهذا يدل على أن الصيام سبب لمغفرة الذنوب، إذا كان خالصًا لله.

الخاتمة

إن الصيام عبادة عظيمة تهذِّب الأخلاق، وتقوِّي الصلة بالله، وتُطهِّر القلوب، وتحقِّق التقوى. فالصائم يتربَّى على الصبر، ويبتعد عن الذنوب، ويتقرَّب إلى الله، مما يجعله ينال رضا الله وجنته. نسأل الله أن يوفقنا لصيام رمضان إيمانًا واحتسابًا، وأن يجعلنا من الداخلين من باب الريَّان، إنه سميع مجيب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى